مسابقة الطيب صالح للشباب في القصة القصيرة
مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي
تقرير المحكمين
الدورة الثالثة عشرة 6 إبريل 2021م
عكفت اللجنة قرابة الشهر في قراءة نصوص المسابقة التي يبلغ مجموعها ستة وعشرين نصاً قصصياً، وبعد القراءة المتأنية والنظرة النقدية الفاحصة، رأت اللجنة وفقاً لمنهج نقدي يتوخى جماليات البناء القصصي، وأساليب بنائها الفني، مستعينة في ذلك بعمليتي الفحص والتحليل وفق معاير متفق عليها، وخرجت بمقاييس اعتمدتها معياراً سليماً للوسائل الفنية في بنية النصوص، رغماً عن أن الوسائل جميعها غير قادرة على أن تصبح وحدها نصاً فنياً؛ لأن المشاركين أعلنوا تمردهم على البناء القصصي التقليدي، وأقبلوا على أبنية قصصية تفردت بها كل قصة على حِدّة.
مقدّمة:
إن اختلاف الأدوات والعناصر الفنية في النصوص القصصية المشاركة عددت في أطروحات الموضوعات الفكرية، وفي غالبيتها تصب في مجال التوجّه النسوي، وهو توجه احتل حيزاً كبيراً في النصوص؛ بناءً على ذلك، اهتم المشاركون بتصوير الشخصيات تصويراً سليماً واستخدموا الحوار السردي والمشهد الدرامي.
وتميز بعضهم بتصوير العوالم الداخلية للشخصية ولجأوا إلى أسلوب السرد المتداعى؛ مصورين حالات الاضطرابات النفسية الناتجة عن أزمات الحروب، والمشاكل الاجتماعية في أقصى درجات تعقدها.
ملاحظات نقدية:
أولاً: القصص المستبعدة:
استخدمت هذه القصص الرؤية المعرفية التي ميّزت الراوي بحسبانه يعرف كل شيء عن الشخصيات المتخيّلة، ولا يترك مساحة سردية حتى تتحرك فيها الشخصية الأساسية، ويقدم معلومات سردية تتجاوز معلومات الشخصية عن نفسها.
قدّمت شخصيات ساكنة لا تتفاعل، ولم يحدث لها أي تغيير في بناء القصة، إضافة إلى أنها شخصيات مسطحة بلا عمق إنساني.
كثرت الأخطاء اللغوية (النحوية والإملائية والمطبعية).
قدمت موضوعات اجتماعية غير منسجمة مع البناء الفني المقترن بالشخصيات والأحداث والصراع والأمكنة والأزمنة.
جاء معظمها في شكل أقرب إلى المقالات والتقارير والحكايات والخواطر، وخلت من نمط السرد المتعارف عليه في كتابة القصة القصيرة.
هيمن عليها التداخل غير المبرر في موضوعاتها والثبات الكلي لعناصرها الفنية.
ثانياً: القصص القصيرة التي نالت الشهادات التقديرية للدورة:
استخدمت هذه القصص الرؤية الفنية، التي وضعت الراوي ومعرفته في حدود معرفة الشخصية دون ممارسة سلطة تحد من مسارات الحدث السردي، وحرصت على التوافق في مجريات الحدث، وانحصر دورها في تنظيم خطوات الأحداث، وأعطت الشخصيات حريتها وفق منطق سردي كشف عن نموّها وتغيُّرها مع الأحداث.
امتازت بالتوافق في العناصر الفنية، والمشاركة الجماعية في اللعبة القصصية التي يديرها الراوي.
عانى أكثرها من الأخطاء اللغوية.
القصص من المرتبة (4 – 10) وهي:
ورطة المكان الآخر: سيد أحمد إبراهيم سيد أحمد
عبارة عن قطعة أدبية من المناجاة الذاتية، تُعبِّر عن مشاعر داخلية وأحاسيس دفينة لشخصية رجل عجوز، يواجه أزمات نفسية تجعله ينظر إلى الحياة بلا معنى، يحدث هذا في لحظة مأسوية فاصلة ما بين الحياة والموت. تمكن كاتب النص في حرفية عالية من اللعب على تقنيات القص وإيهام القارئ بواقعية العودة الفنتازية لروح الرجل العجوز، وهي تضبط وقائع الحياة بعد رحيله.
تسعة كيلو غرامات من العظام الهشّة: محمد حاج همت
تقر حقيقة بنيتها السردية أن عناصرها الفنية مستمدة من الواقع الاجتماعي المقترن بشخصية طفل يواجه الموت جراء تأثيرات الحروب والفقر في مناطق النزاع.
مريم وهي تمضي للبعيد: آلاء رفعت حسن النعيم
تناقش قضايا المرأة من خلال شخصية رئيسة تُدعى مريم، وهي رمزٌ لواقعٍ مأساوي، محاصر بجملة من العادات والتقاليد التي تجبر الفتاة القاصر على الزواج دون رغبتها، استخدم الكاتب/ة تقنية سردية ذكية؛ إذ بنى/ت وقائع القصة داخل إطار ما يمكن أن نصفه بـ (العالم المشموم) في مقابل العوالم المحسوسة الأخرى، وهو عالم غني وثري وغير مستخدم بكثافة في الكتابات السرية (رواية العطر نموذجا)، وعبره - بذكاء – شيدت الشخصية الرئيسة مستوى علاقاتها الاجتماعية في حالتي القبول والنفور.
المتاهة: عمر علي أحمد
تجسِّد القصة عبر لغة سردية تصويرية دقيقة واقع المهاجرين غير الشرعيين بكل ما يمثله من قسوة ومأساة، مستغلة فضاء الصحراء مكاناً لوحشية الأحداث، ومواجهة شخوصها لخطر الفناء.
جاءنا البيان التالي: مصطفى خالد مصطفى
وظَّفت أسطورة عروس النيل لمعالجة قضايا حديثة اقترنت بالفيضانات وغرق المناطق الريفية مستعينة بخطاب ناتج عن الأسطورة في كيفية درء كوارث الفيضان مقابل تقديم قربان بشري، تميّزت القصة بالتماسك السردي والتدرج والانتقال من مستوى سردي إلى آخر.
أساطير باندورا الدافئة: الطيب صالح أحمد محمد
جسَّدت عوالم فانتازية وفق سياق سردي منتظم في تسلسله ومتداخلاً في أحداثه؛ ليجد القارئ نفسه منخرطاً في بنية الحدث الدائري المترابط بوحدات مكانية وزمانية تعكس درجات المعقول واللامعقول.
التلاشي الأخير:
تناولت القصة أوبئة وأمراض العصر الحديث، وركَّزت على مرض السرطان الذي يصيب الشخصية الرئيسة، ونسجت أحداثها من معاناتها واضطراباتها وهواجسها، وكيفية التأقلم مع المرض وسط محيط اجتماعي متخيّل يتعامل مع الوباء بحذر، وهي دوافع كثفت من حالات فزعه.
ثالثاً: القصص القصيرة الفائزة بجوائز الدورة الثالثة عشرة:
تميّز فيها الراوي الضمني بمعلومات سردية أقل من معرفة الشخصيات لأنفسها، وانحصر دوره في الإحاطة بعوالم الشخصية الخارجية والداخلية، ومن جانب آخر، أضفى انطباعاته، ووضع وجهات نظره على الأحداث والشخصيات، أصبح راوياً مُقدِّماً لما شاهد من أحداث، ومستخدماً ضمير المتكلم في تقديمه للعوالم المتخيّلة، وهي قدرة تعكس فوارق العناصر السردية عن بعضها، وتوضح مستويات تغيُّرها من حالة إلى حالة أخرى، كما أبان المصائر المجهولة للشخصيات وعَدّد نواياها لأنه تُوغل في أعماقها الداخلية.
نال النص القصصي (كلتم) لكاتبته: سلمى عبد العظيم يوسف الجائزة الثالثة للدورة الثالثة عشرة:
استخدم الكاتب/ة في هذا النص لغة سردية تصويرية لشخصية طفل يعيش في محيط أسري مختلفٍ في الشكل والطباع؛ مما ولّد لديه إحساساً مأساوياً ناتجاً عن الأسئلة التي تطرح عليه حول اختلاف هُوِّيته – وليدة المأساة.
نال النص القصصي (قدران) لكاتبه:عبد الرحمن عباس يوسف الجائزة الثانية للدورة الثالثة عشرة،
تناول النص موضوع الحرب من خلال تصوير عوالم جنديين يدعوان لنبذها بحسبان أنها تخلف جملة من الكوارث المجتمعية، امتازت القصة بلغة سردية تحمل مفاهيم مجتمعية عن دعوة السلام.
نال النص القصص (يوهانس حقيبة الاكستاسي) لكاتبته: لينتا محمد عبد القادر الجائزة الأولى للدورة الثالثة عشرة،
ناقشت القصة أوضاع معسكرات اللاجئين التي تشنّ عليها ميلشيات الجنجويد غارات من وقت لآخر، وتميّزت بلغة سردية متماسكة؛ اعتمدت على تقنية التأخير والتقديم في مجريات الأحداث، كما اشتغلت على عامل الزمن التصاعدي في تنوُّع الأحداث ووضّحت أضرار الحرب على واقع المرأة.
التوصيات:
طبع جميع القصص القصيرة الفائزة في الدورة الثالثة عشرة ضمن إصدارة واحدة تفتح المجال أمام القراء والكُتَّاب والنقاد والمهتمين بالإبداع القصصي.
إقامة دورات وورش مكثفة عن كتابة القصة القصيرة.
قيام ندوات تدشين إنتاج الجائزة في السنوات الماضية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق