الرئيسية "للحبِّ عيد" قصة بقلم: سفيان البراق

"للحبِّ عيد" قصة بقلم: سفيان البراق


 

 "للحبِّ عيد"

قصة بقلم: سفيان البراق *

 

 الحياةُ تسيرُ بنا في اتجاهٍ جميل تارةً، وحينة أخرى تقودنا إلى كارثة داخلية لا يحسُّ بها إلاَّ المتضرر. من أجملِ ما عرفنا في هذه الحياة بقطبيها هو الحب. الحبُّ وحدهُ كفيلً بأنْ تكون سعيداً أو تعيساً. لن تختار ذلك، بل قلبك هو الذي سيختار بلا هوادة.
نُظمت قصائد كثيرة في الحب، وقالوا فيه أشعار وأشعار، وكتبوا قصص وروايات عن الحب. ولكن لم يستطع أحدٌ من عمالقة الكتَّاب أنْ يصفهُ وصفاً دقيقاً، نفهم من خلاله ما هو الحب؟ وما الفائدة من الحب؟
في زمنٍ بعيد، كانت فتاة جميلة في مقتبلِ العمر، لم تذق بعد من حلاوة الحياة، لازالت تبني أحلامها شيئاً فشيئاً. كانت تعيشُ حياةً سعيدة تتخلَّلها المودة والحب. لم تجد شيئاً يُحزنها بتاتاً، كانت هي والسعادة توأمان.
كانت تعيشُ حياةً هنيئة، إلى أن تسلَّل إليها المرضُ بين أصابع القدر. أصبح الفراش أنيسها، ولم تكن لها الجرأة الكافيّة للذهاب إلى الطبيب ليُعاين حالتها، بقيَّت ممدةً على ذلك الفِراش لأيامٍ مُتوالية. كان زوجها يطلبُ منها بين الفينة والأخرى الذهاب إلى المستشفى، لكن رفضها كان رفضاً قاطعاً. ربما كانت تخافُ من أنْ يخبرها الطبيب بمرضها، ويتغاضى عنها حبيبها.
ذات صباحٍ أقحوانيٍّ، استيقظ منزعجاً جراء تدهورِ حالتها، معالمُ المرضِ بادية عليها، إذْ أصبح وجهها شاحباً، شفتيها أصبحتا يابستين، عيونها تتدفق فيهما نكهة الألم، المرض يأكلها شيئاً فشيئاً. أخذها عنوة إلى الطبيب، قاومتهُ كثيراً، لم تكن تريدُ الدخول إلى المستشفى. أدخلها رُغماً عنها لأنَّه أحسَّ بدنوِّ أجلها، وسيصبحُ كلُّ شيءٍ في خبرِ كان.
أجرى لها الطبيبُ الفحوصاتِ اللازمة، تركها في الغرفة، خرج مهرولاً، أخبر زوجها بمرضها الذي يتقدمُ بمرورِ الدقائق. اقتربَ منها ورأى في عيونها غيمةً من الحزن والخوف، احتضنها، وسقطت دمعةٌ من عينه. كان يعلمُ أنها تحتضر.
لم تعلم بمرضها، أخذها إلى المنزل، ضمَّها في صدره، وأخبرها بمرضها اللعين. السرطان الذي لا يرحم، يأكلُ لحم البشر دون استئذان، مرضٌ خبيث هو الوحيد الذي يفرِّقُ بين الأحبة. كان وقعُ الصدمة قاسياً على قلبها، تبادرَ إلى ذهنها لحظةُ الوداع، وداعُ حبيبها. في الشهر المنصرم احتلفوا بعيد الحب الذي يصادف الرابع عشر من شهر فبراير، والآن بدأت تتلاشى أمام عينيه وهو عاجزٌ عن محاربةِ السرطان.
السرطان كلمة سهلة النطق، ولكن من الصعب القضاءُ عليه.
أدخلها إلى مصحة الكيماويّ، بدأ شعرها اللامع والجميل يتساقط، لم تعد ولا شعرة في حاجبيها. تحولت من قنديلٍ متوهج ينجذبُ إليه الفراش إلى وجهٍ شاحب، قد يضربُ موعداً مع الموت في أي وقت.
جهَّز أموالهُ كلها، وقرر بإجراء عملية لها من أجل استئصال الورم الخبيث، كان يعلمُ بعدمِ نجاحِ العملية، ولكن حبه لها كان يُكذِّبُ كلَّ شيء. انتهى من الإجرأت، عند إدخالها إلى غرفةِ العمليات طبع قبلةً على جبينها، تذكر تلك الأعياد التي احتفلوا بها، ذكرياتٌ ستبقى راسخة في عقله، رأته بعينيها الذابلتين، لم تنطق  بكلمة، تتبع الأطباء وهم يدخلونها فتملَّكتهُ حسرةٌ كبيرة. انتظر لساعاتٍ وساعات، فجأة جاء الطبيب المُكلَّف بالعملية، يبتسمُ ابتسامة فرحٍ وسرور، أخبرهُ بنجاح العملية، فتعالى في السماء مبتهجاً. لا يوجد شيءٌ يقفُ حاجزا أمام تجسيد الحب.
عادت إلى المنزل بعد أيام من العملية، كانت فتاتهُ المدللة، استرجعت عافيتها، وأكملوا مسيرتهم. السرطان عدو الإنسان، وعدو السرطان هو الحب.
هكذا كانت قصتها مع المرض ومكافحة زوجها من أجلها، عادت وعادت معها السكينة والهناء، لا صوت يعلو فوق صوت السعادة. هذا هو الحب، مقارعةُ مطبَّاتِ الحياة، والوقوف بجانب المحبوب في السراء والضراء، لأنَّ للحبِّ جرحٌ لا يندمل، فمن وصف الحب ولم يعش لحظةً منه فهو كاذب، ومن كتبَ عن الحبِّ ولم يتذوق حلاوتهُ فهو مخطئ، للحبِّ عيد وللذكرياتِ أبدية.

 

----------------------------------------------------------

*  طالب جامعي السنة الثانية شعبة الفلسفة، السن 19 سنة، مدينة اكادير

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.